الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

"مبارك هو الرب. لقد صرنا أغنياء"



"مبارك هو الرب. لقد صرنا أغنياء"
بقلم: امتياز ذياب

في كل زيارة لي للأهل، يسألونني إذا ما كان العيش في هذه البلاد أفضل من الخارج، وأرد "هنا أفضل بكثير".
تجولت في بلاد الغرب منذ سن الثامنة عشرة، لم أترك مكانا في الغرب دون التجول في مدنه وشوارعه الأنيقة والنظيفة، دخلت متاحفها وكنائسها التي تكدست بها التماثيل الذهبية. أطنان من الذهب ساحت لتصنع نقوشها وزخرفاتها.
أبدا لم يلتهب وجداني لمرأى الآثار المصرية فيها، او الأقنعة الأفريقية الجميلة، أو الصلبان النادرة، حتى عندما وقفت أمام مذابح كنائس برشلونة العظيمة. كنت أخجل من قصوري على التأوه أمام جمالها، مثلما يتأوه آلاف السياح أمام هذا السحر.
كبرت قليلا وقرأت للكتاب العرب عن جمال الغرب، ونظامه المميز وديموقراطيته وحضارته وعصور التنوير والنور، وأبدا لم تهزني كلمات هؤلاء ولم ألتحق بقطيع المعجبين بكتابهم وفلاسفتهم، وأبدا لم أعرف السبب.
منذ يومين فقط كنت في يافا، جلست على بلكونة بيت عربي قديم، كان بإمكاني السماع لأمواج البحر، ووعدت نفسي بقضاء آخر نصف ساعة، قبل ان أركب غيوم السماء الى سويسرا، أهدهد روحي المضطربة، أمام الزبد الذي لا يذوب من لطمات البحر المتواصلة.
لكن عكر مزاجي مضيفي الأميركي، وسألني لماذا لم أترجم كتبي للغة الإنجليزية، لكي يقرأها من مثله، من المتضامنين مع القضية الفلسطينية؟.
أجبته بلؤم حائر: "بأنها ليست مهمتي تأريخ نفسي، او الترويج لها، وإذا كنت أتقن اللغة الفرنسية والإنجليزية، هذا لا يعني أن أقضي عمري بترجمة نفسي".
اليوم حضرني هذا الحديث المتبرم، بعد أن قرأت وثيقة نادرة، للراهب برتولومي دي لاسُ كازاس، الذي ولد في قشتالة، بعد عام واحد من سقوط غرناطة، والذي رافق كريستوف كولومبوس في رحلته الثانية في اكتشاف بلاد الهنود الحمر.
وصف لاسُ كازاس مذابح الإسبان للهنود الذين سموهم حمرا، ووصف عمليات الإبادة لممالك الهنود. وصف إبادة مملكة "ماغوا" ومقتل ملكها"غوا يونر" ووصف اغتصاب الإسبان لزوجته. سرد لنا فظاعة إبادة شعب مملكة "مارين" السعيدة وقتل ملكهم" غوكاناغاري" بعد تعذيب حاشيته، وذلك بعدما قدموا لهم المؤن والذهب.
حكى لنا "لاسُ كازاس" عن مشاهداته عن رعب الهنود من مشاهدة أحصنة الإسبان الغزاة، وهي تعدو وتدوسهم بحوافرها، وكيف كان الإسبان يستدلون على الطرق من الجثث التي حرقها من سبقهم على الطرق.
وصف لنا كيف كان الطغاة الإسبان يأكلون أكف الأطفال، ثم يرموهم الى أمهاتهم، ويقول الراهب" لاسُ كازاس" أشهد أن الهنود كانو أكثر طيبة من رهبان الأديرة، ولم يرتكبوا ذنبا واحدا ضد المسيحيين، بل رغم الفظاعة التي عانوا منها، لم يعرفوا الحقد او الضغينة او الانتقام". "عاشرتهم ولم أعرف فيهم العنف، بل عنفهم حين يظهر فيهم، فهو أشبه بعنف الأطفال في الثانية عشرة".
ويسرد الراهب" زحف الإسبان الى جزيرة كوبا العامرة بالبشر، وكان زعيمها" هوتوي" وضع سلة ذهب ورقص للذهب رب المسيحيين، ورماها في النهر، لكي لا يقتلوهم بسببه". وعندما عرف المسيحيون بذلك علقوه على المشنقة، وجاء راهب يدعوه للمسيحية قبل أن يموت لكي يدخل الجنة. فسأله "هاتوي" هل هناك مسيحيون في الجنة؟ قال الراهب: معظمهم هناك، عندها قال "هاتوي": "إنني أفضل دخول النار عن ألتقي بكم في الجنة، أرسلني الى النار".
وهكذا وصف "لاسُ كازاس" إبادة الملايين من الهنود الحمر، وقال: "أقسم بأني لا أذكر إلا معشار معشار معشار ما جرى".
قشعريرتي ذكرتني بأنني لا أحب الغرب وما فيه، عندما تذكرت مستوطنا إسرائيليا متدينا، يقول لفلاح فلسطيني:" سأقبل أن تكون لي عبداّ إذا ما أحسنت التصرف".
قال النبي زكريا عن هؤلاء الطغاة الذين يحمدون الله في صلاواتهم" مبارك هو الرب. لقد صرنا أغنياء".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق