حقائق معركة "القصير" ومغزاها
بقلم:عدلي صادق
عضو الامانه العامه-شبكة كتاب الرأي العرب
يتكثف الهجوم على بلدة "القصير" السورية، بمجهود قتالي لحزب ذي العمامة السوداء. ويتبدى التحشيد الطائفي واضحاً، لخوض معركة مصيرية على هذا المستوى. ففي "القصير" تختزل الحكاية نفسها، وتتكثف حقائق الحرب ونوايا كل الأطراف. وفي جوار البلدة، يتحسس سكان قرية "عرسال" اللبنانية القريبة، الواقعة على سلسلة جبال لبنان الشمالية؛ رؤوسهم ويتوقعون تطورات كارثية، سيجري فيها انتقال قوات الحزب الطائفي، في حال انجاز مهمتها السورية، الى القرية اللبنانية ذات الأغلبية السُنية، بهدف "تطهيرها" وتعزيز نفوذ هذا الحزب في الشمال اللبناني، مثلما هو قائم في الجنوب. إنه سياق ما زال ماضياً، لاختطاف لبنان واستلاب سوريا. ففي "القصير" تناول المحللون أهداف التركيز ومقاصده، بدءاً من السعي الى فتح طريق الإمداد، وتأمين منطقة الساحل ذات الأغلبية النصيرية (العلوية) وارتجل منظرو الحزب أكاذيب فاقعة، لوصم مقاومي الاستبداد بالعمالة لإسرائيل، وأخرجوا من جرابهم، خزعبلات تتشبه بالأقدار والمواقف الربانية الحسينية، وثرثروا حول ظهور الكرامات الإلهية التي تؤيدهم. ومن بين الأكاذيب المرتجلة، الادعاء بأن قوات ذي العمامة السوداء، استولت على سيارة إسرائيلية كانت تشارك مع المعارضة في المجهود الحربي. فبخلاف أن الكتابة العبرية التي على السيارة، دلت على كونها كانت تتبع مصلحة السجون الإسرائيلية، وهي من تلك التي تركها المحتلون في بلدة الخيام اللبنانية الجنوبية؛ فإن شكل الدعم الإسرائيلي لو كان حاصلاً فعلاً ـ وهو لن يكون ـ فإن الداعمين لن يقعوا في هذه السذاجة، ولن يرسلوا عربات بكتابات عبرية. فالغبي هو ذلك المجرم الذي دمر سوريا لأنه لم يستوعب عدداً من التظاهرات السلمية، وصمم على ما سماه "الحل الأمني" وفاقم الأمور وأشعل حرباً داخلية في البلاد. وإن كان هناك دعم إسرائيلي، فلن يكون بالسيارات، لا سيما وأن الأمر يتعلق بمن يزعمون أنهم شوكة في عين إسرائيل!
وعلى صعيد الخزعبلات، لم يخجل الذين كذبوا وعرضوا سيارة جاؤوا بها من الجنوب اللبناني؛ من اختراع وتطيير أقاصيص عن هجمات بالصواريخ على مقام السيدة زينب، وأنه بفضل رب العالمين وبركة السيدة، تحولت هذه الصواريخ الى نثار من مساحيق حميدة، نزلت برداً وسلاماً على أولئك الإيرانيين، الذين "يدافعون" عن المقام.
مهما تكن نتائج المعركة في "القصير" فإن حزب ذوي العمامة السوداء، ذاهب الى افتضاح ومن ثم الى نهاية مخزية. لأن "القصير" ليست هي سوريا، وسكانها ليسوا هم كل الشعب السوري، ولأن السوريين يعرفون، أن النظام الذي يقاومونه، لن يستمر بغير استبداد وقتل وخنوع أمام العدو الخارجي واستأساد على المجتمع.
هناك مبارزة بين الطرفين، النظام ومن معه من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، على أيهما الذي سيقنع الرأي العام السوري واللبناني والعربي عموماً؛ بأن الطرف الآخر يتلقى دعماً إسرائيلياً. وبموضوعية نقول، إن الولايات المتحدة وإسرائيل لهما مصلحة أكيدة لا يخطىء شواهدها محايد، في بقاء النظام السوري. الأميركيون يبيعون الأوهام للشعب السوري، ويحاولون إنقاذ سمعتهم الأخلاقية من خلال هجاء النظام ووعيده أحياناً، وهم يتفرجون على مجازر تُرتكب بحق الناس الأبرياء الآمنين، ويصرون هم وحلفاؤهم العرب على منع القيام بمساندة عربية مؤثرة في مجرى الصراع. والشعب السوري بات مادة للمقايضة الإقليمية بين إيران والغرب، إذ يتزامن ترشيح "مشائي" للرئاسة الإيرانية، وهو الذي كان يجاهر ويُصر على محبته للإسرائيليين؛ مع الجفاء الواضح للثورة السورية. بل إن الأميركيين لم يتحلوا بالحد الأدنى من الموضوعية لكي يعرضوا ما يعرفونه عن الطرف الذي يهاجم القرى بأنساق عسكرية ثم يرتكب المجازر وينسبها الى المعارضة. فهم يتابعون بكل وسائل الرصد المتاحة لهم، من الجو وعبر الأقمار الاصطناعية والوسائل البشرية. لكنهم يمسكون عن الكلام المباح، كلما نشأ الجدال حول هوية مرتكبي المجزرة بحق أهالي هذه القرية أو تلك، من الأبرياء!
أما الإسرائيليون، فإنهم يتعمدون تغليف موقفهم بالألغاز، لكي تضيع الحقائق ويتهم كل طرف الطرف الآخر بالعمالة لهم. وستكشف الأيام أنهم ساندوا النظام السوري بشروطهم، وأن من بين شروطهم ضمان "حق" التدخل كلما تعلق الأمر بسلاح استراتيجي يقترب من حدودهم. أما النقطة الرئيسة التي يؤيدها الإسرائيليون والأميركيون فهي أن يحقق "الشيعة" طموحاتهم الإقليمية، وأن ينجزوا القوس الجغرافي الذي يطمحون الى الهيمنة عليه، من "قم" الى صور اللبنانية، لكي تقع الأغلبية الدينية المسلمة، بين براثنهم وتنشغل في مغالبة استبدادهم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق